دروس من مدن الشرق الأوسط حول إمكانية العيش في مستقبل أكثر حرارةً وجفافًا

12 أغسطس 2024
Dr Gonzalo Castro de la Mata

شكّل العام 2023 أكثر الأعوام سخونةً على كوكب الأرض، فقد حطّم جميع الأرقام القياسية السابقة منذ بداية تسجيل درجات الحرارة في منتصف خمسينات القرن التاسع عشر، ما يؤكد لنا أهمية اتخاذ خطوات عاجلة على صعيد العمل المناخي، لا سيّما مع احتمالية تخطّي درجات الحرارة خلال عام 2024 نظيراتها في العام السابق وسط ما يشهده العالم حاليًا من زيادة موجات الحرّ الشديد واستمرارها لفترات طويلة.

وتُعدّ منطقة الشرق الأوسط إحدى أكثر المناطق سخونةً على مستوى العالم حيث ارتفعت درجات الحرارة بسرعة مُضاعفة عن المتوسط العالمي بسبب البيئة القاحلة في هذه المنطقة وما تفرضه من تحديات واحتياجات خاصة بها، وهو ما يتطلب وضع إطار عمل مُغاير لتطوير سياسات الاستدامة وابتكار الحلول. لكنّ هذا التحدي لا يقتصر على سكّان الشرق الأوسط فحسب، بل يعيش أكثر من ثلث سكان العالم في بيئات حارة وجافة تمتد إلى مناطق مترامية الأطراف وتشمل على سبيل المثال مناطق غرب آسيا، والأجزاء الشمالية الغربية من شبه القارة الهندية، وأمريكا الجنوبية.

بناء مدن أكثر قُدرة على التكيّف

عند التفكير في مُدننا ومستقبلها ومتطلباتها وكيفية تحقيق الازدهار عن طريق الاستدامة، فمن المهم أن نتذكر الحضارات التي عاشت في بيئات حارة وجافة لآلاف السنين، وتبّنت سلوكيات اجتماعية وثقافية فريدة من نوعها مكّنتها من التكيّف مع البيئة التي تعيش فيها. من هذا المنطلق، تُعدّ المعارف الموروثة عن الأجداد مصدرًا غنيًا لفهم الطبيعة، ويجب الاستفادة منها في المقاربات الحديثة لتعزيز الاستدامة في عصرنا الحاضر. لهذا، يعمل مطوّرو السياسات في الدوحة- أكثر المُدن القطرية استهلاكاً للطاقة – على تطوير مبادئ التصميم المُستدام التي تجمع بين الممارسات المعمارية القديمة ونظيراتها الحديثة للحدّ من الحرارة وتقليل البصمة الكربونية للمدينة. 

وتُعدّ مشيرب قلب الدوحة مثالًا على ذلك، فهذه المدينة التاريخية الذي استغرق إعادة إحيائها أكثر من 12 عامًا، تعكس الكثير من عناصر العمارة التقليدية، ومنها الملقف: وهو حاجز مرتفع كان يستخدم للتهوية والتبريد، إلى جانب المشربية (الشبكات الخشبية المزخرفة) التي توفر الظلّ والخصوصية. وهذا ما أدى إلى خفض استهلاك الطاقة بنسبة 30%، فضلاً عن استخدام هذه المدينة لنظام متطور في جمع النفايات وتدويرها أو إعادة استخدامها، ناهيك عن أنظمة الريّ التي تقلل من استخدام المياه. وقد أصبح المُطورون ينظرون لهذه المدينة باعتبارها "الطبعة الزرقاء" لتحديث المناطق الحضرية المستدامة.

من الواضح، أنّ المناطق الحارة والجافة تواجه تحديات تختلف كثيرًا عن تلك التي تواجهها المناطق ذات البيئات المعتدلة. ومع ذلك، نجحت هذه المناطق عبر التاريخ في التأقلم، وفي ابتكار أساليب جديدة للإزدهار بالرغم من ظروفها المناخية القاسية.

وبناء على ذلك، نحرص في "إرثنا: مركز لمستقبل مستدام" على إعداد أُطر عمل تُراعي خصائص هذه البيئات الجافة ودرجات الحرارة الشديدة بها وتأخذ في الحسبان الجمع بين الحلول القديمة والحديثة بما يحقق الاستفادة لمُدننا.

تسريع الحلول التي يمكن استخدامها عبر بلدان مختلفة  

على الرغم من هذه التحديات، يوجد العديد من الوسائل التي تُمكّننا من تعزيز الاستدامة في المناطق الحارة والجافة، خصوصًا إذا تم ذلك بالشراكة مع مجموعة من الأطراف المعنية الرئيسية التي تشمل الخبراء، الأكاديميين، الحكومات، المنظمات غير الحكومية، قطاع الأعمال، والمجتمع المدني. وفي هذا الصدد، يسعى "إرثنا: مركز لمستقبل مستدام" إلى بناء شبكة للمدن الجافة تجمع خبراء من المناطق الحارة والجافة، ومن خلالها سنعمل على تبادل أفضل الممارسات وتطوير سياسات عملية قائمة على طرح الحلول لمواجهة آثار التغير المناخي في مناطقنا.

إنّ البيئات الحارة والقاحلة تلعب دورًا رئيسيًا في الحد من الآثار الضارة للتغيّر المناخي بغض النظر عن موقعها الجغرافي. ويزخر تراث هذه المنطقة بالمعرفة التقليدية والابتكارات الاستشرافية التي تُساعدنا في رسم ملامح الطريق نحو مستقبل أكثر استدامة.

---

تم نشر نسخة من هذه المقالة بواسطة شركة Fast Company في يونيو 2024.